سوق "السكوار" الموازي يهدّد الاقتصاد الجزائري

تتواجد ساحة "سوق السكوار"، والمعروفة باسم "بورصة سكوار" للعملة الصعبة، عند كبار رجال المال والأعمال، عند مشارف حي القصبة العتيق، في شارع بور سعيد المطل على واجهة البحر، في أعالي محافظة الجزائر العاصمة، ورغم مساحتها الضيّقة إلا أنها تحوّلت إلى "بنك سري" لتجار العملات الصعبة.

واستمر السوق، لعقود طويلة من الزمن على مرأى السلطات العمومية في الجزائر، وسط مباني الهيئات الجزائرية السيادية كمجلس الأمة الذي يعد المجلس الأعلى التشريعي في البلاد ومبنى المجلس الشعبي الوطني، تتحرك بداخله قيمة مالية تقدر  بحوالي 4 مليارات دولار أميركي، فالشخص المار عبر حديقة "السكوار" التي تعتبر الشاهد الوحيد على ذكريات حي "القصبة العتيق"، الذي صال وجال فيه المستعمر الفرنسي وراح يهدم جزءًا من هذا الحي ليشرع في تشييد مدينة أوروبية جديدة، يلاحظ العديد من الشباب، من مختلف الأعمار آتين من مختلف محافظات الجزائر، يحملون بأيديهم مبالغ مالية كبيرة بالعملات الصعبة، أبرزها عملة اليورو، ينتظرون بلهفة قدوم قيادات الدولة الجزائرية وكبار رجال المال والأعمال، والسياح الأجانب لتحويل العملة الصعبة أو شرائها.

ويتم تحويل المليارات من العملة الصعبة يوميًا أمام مرأى السلطات في الحديقة، دون استخدام وسائل الرقابة التي تستعمل في البنوك العمومية، فبورصة "السكوار" جمّدت حراك البنوك الجزائرية التي لها قوانين خاصة بصرف العملات الصعبة، وعلى حافة الطريق صادف "العرب اليوم" أحد الشباب الذين يعملون في هذا المجال عمره لا يتجاوز 30 عامًا، من محافظة جيجل شرق الجزائر، رفض في بداية الأمر الحديث معتقدًا أن المراسل يتبع إلى السلطات الأمنية الجزائرية، فالتجار يتعاملون بحذر شديد مع الزبائن، حيث أكّد لاحقًا أنّه اقتحم هذه السوق منذ 5 أعوام، وهو يجني أرباحًا طائلة، فالسوق يشهد توافد كبار رجال المال والأعمال، وقيادات كبيرة في الدولة الجزائرية وحتى أبناء المقاولين وملاك الأراضي الزراعية الذين، يتوافدون على السوق لتحويل أو شراء مبالغ مالية طائلة من العملات الصعبة خاصة  "اليورو"، ومبيّنًا أنّ القيمة المالية التي تتحرك يوميا داخل السوق تقدر بالمليارات وما خفي كان أعظم.

وعن طريقة تعاملهم مع مصالح الأمن، أشار إلى أنّهم "عادة يضطرون إلى العمل في الخفاء وأيضا إخفاء العملة الوطنية أو العملات الصعبة لتفادي احتجازها من قبل مصالح الأمن الجزائري"، وعجزت الحكومات الجزائرية المتعاقبة على السيطرة على هذه السوق بسبب سيطرة أباطرة التصدير والاستيراد عليها "وبارونات" العملة الصعبة، وتسبّب سوق "السكوار" الموازي بخسائر كبيرة للاقتصاد الوطني، ووجدت الحكومة صعوبة كبيرة في إجراء تقدير دقيق للأموال المتداولة داخلة.

وشدّد خبراء الاقتصاد على ضرورة القضاء على السوق بالنظر إلى خطورته على الاقتصاد الوطني، ويرى البعض أن تجاهل إيجاد حلول للسوق السوداء قد يرهن النموذج الاقتصادي الجديد للنمو بالفشل، وكشف الخبير الاقتصادي فارس مسدور، أن سوق "سكوار" يشكل اقتصادًا موازيًا وشوه سمعة الاقتصاد الجزائري، والحكومة مطالبة اليوم بالقضاء عليه حتى تتجنّب خسائر إضافية، وفتح مكاتب الصرف لاستقطاب الأموال المتداولة خارج السوق الرسمية والاقتداء بالنماذج المعمول بها في بعض الدول، مؤكّدًا أنّ السوق الموزاية للعملة الصعبة تعتبر من أبرز مصائب الاقتصاد الجزائري، ومشيرا إلى أن الحكومة أبدت رغبتها في العديد من المرات في القضاء على هذه السوق الموازية، لكنها فشلت بدليل التصريحات التي أدلى بها محافظ بنك الجزائري على هامش عرضه التقرير السنوي للبنك في مجلس الأمة الغرفة العليا في البرلمان الجزائري، قائلا فيها إن الحكومة عاجزة عن القضاء على ظاهرة الأسواق الموازية .